لَازِلْتُ في “مُفْتَرَقَاتِ الحَيَاةِ”

بعدستي ومن منزلي، شتاء 2024


خمسة عشر عامًا مرّت منذ آخر سطر كتبته في مدونتي “مفترقات الحياة”. أغلقتها عام 2010 بعدما اعتقدت أن تلك المفترقات التي كنت اعيشها وأكتب بعضها آنذاك ما هي إلا مرحلة عابرة، ستنتهي قريبًا وساسير في طريق سهله. لم أكن أعلم أن الحياة ما هي الا مفترقات وان العمر سلسلة من تقاطعات، بعضها يفتح آفاقًا واسعة، وبعضها يعيدك إلى حيث كنت، وما أكثرها.

تلك السنون حملتني بعيدًا؛ سافرت، درست، عملت، أصبحت زوجًا ثم أبًا. ومع مرور الوقت، تسللت خيوط بيضاء إلى رأسي ولحيتي، لتذكرني أن الزمن لا يرحم، وأن مفترقات الحياة لا تنقضي بل تتعاقب. واليوم يعيدني مفترق من مفترقات الحياة إلى حيث كنت قبل عقد ونصف، يعيدني الى التدوين محملاً بتجارب كثيرة وحكايات لم تروى وقد لا تروى.
ومن مفترق آخر أجدني جالساً على ضفاف نهر أوهايو، حيث الماء يمضي كما تمضي السنوات، لا يلتفت ولا يعود. أتنفس هواء مزارع كنتاكي، حيث تتكرر الفصول وتُثمر الأرض، بينما أبحث عن ثمرة لسنواتي المبعثرة. أُحاط بعائلة وأصدقاء، وشعور دفين بالوحدة لا يزاحمه أحد.


في الغربة ادركت ان المسافة التي تفصلني عن الوطن غربة، وان المسافة التي تفصلني عن ذلك الشاب الذي كنتُه يومًا هي غربتي وهي أشد وطئًا. أدركت الصمت لم يعد يسعني، وأن الكلمات التي لم تُكتب أثقل من تلك التي خرجت. أعود لأني تعلمت ان الحياة فسيفساء من القرارات، وأن ما حسبته منعطفًا عابرًا كان أصلًا لبقية الطريق.

وفي الثامن عشر من أكتوبر، في ذكرى ميلادي الحادي والأربعين، تذكرني مدونتي أنني ما زلت أسير، وأنها معطفي في “ليالي الشتاء والغربة”.

يمكنك نشر المقال على اي من هذه المنصات بالضغط على الايقونة

نٌشِر في

في

كتبه

الكلمات المفتاحية:

تَعليقاتُ القُرّاءِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *